سورة القصص - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} كعداوة رسولِ للها صلى الله عليه وسلم وحقدِه {وَمَا يُعْلِنُونَ} كالطَّعنِ فيه {وَهُوَ الله} أي المستحقُّ للعبادة {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} لا أحدَ يستحقُّها إلا هو {لَهُ الحمد فِى الاولى والاخرة} لأنَّه المولى للنِّعم كلِّها عاجلِها وآجلِها على الخلق كافةً يحمَده المؤمنون في الآخرةِ كما حمِدُوه في الدُّنيا بقولِهم: الحمدُ لله الذي أذهبَ عنَّا الحزنَ الحمدُ لله الذي صدقنا وعدَه ابتهاجاً بفضلِه والتذاذاً بحمدِه {وَلَهُ الحكم} أي القضاءُ النَّافذُ في كلِّ شيءٍ من غيرِ مشاركةٍ فيه لغيرِه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالبعثِ لا إلى غيرِه.
{قُلْ} تقريراً لما ذُكر {أَرَءيْتُمْ} أي أخبرونِي {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً} دائماً من السَّرد وهو المتابعةُ والاطِّرادِ والميمُ مزيدةٌ كما في دلامص من الدِّلاص يقال: درع دلاصٌ أي ملساءُ لينةٌ {إلى يَوْمِ القيامة} بإسكانِ الشَّمس تحت الأرضِ أو تحريكها حول الأُفقِ الغائر {مَّنْ إله غَيْرُ الله} صفةٌ لإله {يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء} صفةٌ أخرى لها عليها يدورُ أمرُ التبكيتِ والإلزامِ كما في قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والارض} وقوله تعالى: {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ} ونظائرِهما خلا أنَّه قُصدَ بيانُ انتفاءِ الموصوفِ بانتفاءِ الصِّفة ولم يُقَل: هل إله إلخ لإيرادِ التَّبكيت والإلزامِ على زعمِهم. وقرئ: {بضئاءٍ} بهمزتينِ {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} هذا الكلامَ الحقَّ سماعَ تدبُّرٍ واستبصارٍ حتَّى تُذعنوا له وتعملوا بموجبِه. {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة} بإسكانِها في وسطِ السَّماء أو بتحريكِها على مدارٍ فوقَ الأُفق {مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} استراحةً من متاعبِ الأشغالِ، ولعلَّ تجريدَ الضَّياءِ عن ذكرِ منافعِه لكونِه مقصوداً بذاتِه ظاهرَ الاستتباعِ لِما نيطَ به من المنافعِ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} هذه المنفعةَ الظَّاهرةَ التي لا تَخْفى على مَن له بصرٌ.
{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} أي في الليلِ {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} في النَّهارِ بأنواعِ المكاسبِ {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ولكي تشكرُوا نعمتَه تعالى فعلَ ما فعلَ أو لكي تعرفُوا نعمتَه تعالى وتشكروه عليها.


{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} منصوبٌ باذكُر {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تقريعٌ إثرَ تقريعٍ للإشعارِ بأنَّه لا شيء أجلبُ لغضبِ الله عزَّ وجلَّ من الإشراكِ كما لا شيءَ أدخلُ في مرضاتِه من توحيدِه سبحانَه. وقولُه تعالى: {وَنَزَعْنَا} عطفٌ على يُناديهم. وصيغةُ الماضي للدِّلالةِ على التَّحققِ أو حالٌ من فاعله بإضمارِ قد. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بشأنِ النَّزعِ وتهويلِه أي أخرجنَا {مِن كُلّ أمَّةٍ} من الأممِ {شَهِيداً} نبياً يشهدُ عليهم بما كانُوا عليه كقولِه تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} {فَقُلْنَا} لكلِّ أمَّةٍ من تلك الأُمم {هَاتُواْ برهانكم} على صحَّة ما كنتُم تدينون به {فَعَلِمُواْ} يومئذٍ {أَنَّ الحق لِلَّهِ} في الإلهية لا يشاركه فيها أحدٌ {وَضَلَّ عَنْهُم} أي غابَ عنهم غيبةَ الضَّائعِ {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} في الدُّنيا من الباطلِ.
{إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى} كان ابنَ عمِّه يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب عليه السَّلام وموسى عليه السَّلام ابن عمران بن قاهث وقيل: كان موسى عليه السلام ابنَ أخيهِ وكان يسمَّى المنوَّر لحسنِ صورتِه وقيل: كان أقرأَ بني إسرائيلَ للتَّوراة ولكنَّه نافق كما نافقَ السَّامريُّ وقال: إذا كانت النُّبوة لموسى والمذبحُ والقربانُ لهارونَ فما لي. ورُوي أنَّه لما جاوز بهم مُوسى عليه السَّلام البحرَ وصارتِ الرِّسالةُ والحُبورةُ والقُربان لهارونَ وجد قارونُ في نفسِه وحسدَهُما فقال لموسى: الأمرُ لكما ولستُ على شيءٍ إلى متى أصبرُ؟ قال موسى عليه السَّلام: هذا صُنعُ الله تعالى. قال: لا أُصدِّقك حتَّى تأتيَ بآيةٍ، فأمر رؤساءَ بني إسرائيلَ أنْ يجيءَ كلُّ واحدٍ بعصاةٍ فحزمها وألقاها في القبَّة التي كان الوحيُ ينزلُ إليه فيها فكانوا يحرسون عصيَّهم بالليل فأصبحُوا فإذا بعصا هارونَ تهتزُّ ولها ورقٌ أخضرُ فقال قارون: ما هو بأعجبَ ممَّا تصنعُ من السِّحرِ وذلك قولُه تعالى: {فبغى عَلَيْهِمْ} فطلبَ الفضلَ عليهم وأنْ يكونُوا تحتَ أمرِه أو ظلمَهم، قيل: وذلكَ حينَ ملَّكه فرعونُ على بني إسرائيلَ وقيل: حسدَهم وذلك ما ذُكر منه في حقِّ موسى وهارونَ عليهما السَّلامُ {وآتيناه من الكنوز} أي الأموالِ المُدَّخرةِ {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} أي مفاتحَ صناديقِه وهو جمعُ مِفتح بالكسر وهو ما يُفتح به وقيل: خزانته وقياسُ واحدِها المَفتح بالفتحِ {لتنوء بالعصبة أولى القوة} خبر إن والجملةُ صلةُ ما وهُو ثاني مفعُولَيْ آتَى. وناءَ به الحملُ إذا أثقلَه حتَّى أمالَه والعُصبة والعُصابةُ الجماعةُ الكثيرةُ. وقرئ: {لينوءُ} بالياءِ على إعطاءِ المضافِ حكمَ المضافِ إليهِ كما مرَّ في قولِه تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} منصوبٌ بتنوءُ وقيل: ببغى ورُدَّ بأنَّ البغيَ ليس مقيَّداً بذلك الوقتِ وقيل: بآتيناهُ ورُدَّ بأنَّ الإيتاءَ أيضاً غيرُ مقيَّدٍ به وقيل: بمضمرٍ فقيل: هو اذكُر وقيل: هو أظهرَ الفرحَ ويجوزُ أنْ يكونَ منصُوباً بما بعدَهُ من قولِه تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} وتكون الجملةُ مقررةً لبغيه {لاَ تَفْرَحْ} أي لا تبطرْ والفرحُ في الدُّنيا مذمومٌ مُطلقاً لأنَّه نتيجةُ حبِّها والرِّضا بها والذهولِ عن ذهابِها فإنَّ العلمَ بأن ما فيها من اللذةِ مفارقةٌ لا محالةَ يوجبُ التَّرحَ حتماً ولذلكَ قالَ تعالى: {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم} وعُلِّل النهيُ هاهنا بكونِه مانعاً من محبَّتِه عزَّ وعلاَ فقيلَ: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} أي بزخارفِ الدُّنيا.


{وابتغ} وقرئ: {واتَّبع} {فِيمَا ءاتَاكَ الله} من الغِنى {الدار الاخرة} أي ثوابَ الله تعالى فيها يصرفه إلى ما يكونُ وسيلةً إليه {وَلاَ تَنسَ} أي لا تتركْ تركَ المنسيِّ {نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} وهو أنْ تحصلَ بها آخرتك وتأخذَ منها ما يكفيك {وَأَحْسَنُ} أي إلى عبادِ الله تعالى {كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} فيما أنعمَ به عليك وقيل: أحسنْ بالشكرِ والطَّاعةِ كما أحسنَ الله إليكَ بالإنعامِ {وَلاَ تَبْغِ الفساد فِى الارض} نهيٌ عمَّا كان عليه من الظُّلمِ والبغيِ {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين} لسوء أفعالِهم {قَالَ} مُجيباً لناصحيهِ {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِى} كأنَّه يريدُ به الردَّ على قولِهم: كما أحسنَ الله إليك لإنبائِه عن أنَّه تعالى أنعم عليه بتلكَ الأموالِ والذخائرِ من غير سببٍ واستحقاقٍ مِن قِبَلِه أي فُضلت به على النَّاسِ واستوجبتَ به التفوقَ عليهم بالمالِ والجاهِ، وعلى علمٍ في موقعِ الحالِ وهو علمُ التَّوراةِ وكانَ أعلمَهم بها وقيل: علمُ الكيمياءِ وقيل: علم النجارة والدَّهقنةِ وسائرِ المكاسبِ وقيل: علمُ الكنوزِ والدَّفائنِ، وعندي صفةٌ له أو متعلقٌ بأوتيتُه كقولِك: جازَ هذا عندي أو في ظنِّي ورأيي {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً} توبيخٌ له من جهةِ الله تعالى على اغترارِه بقوَّتِه وكثرةِ مالِه مع علمِه بذلك قراءةً في التَّوراةِ وتلقياً مِن موسى عليه السَّلام وسماعاً من حُفَّاظِ التَّواريخِ وتعجبٌ منه، فالمعنى ألمْ يقرأِ التَّوراةَ ولم يعلمْ ما فعلَ الله تعالى بأضرابِه من أهلِ القُرونِ السَّابقةِ حتَّى لا يغترَّ بما اغترُّوا به، أو ردٌّ لادِّعائِه العلمَ وتعظمه به بنفيِ هذا العلمِ منه فالمعنى أعَلِم ما ادَّعاه ولم يعلم هذا حتى يقيَ به نفسَه مصارعَ الهالكينَ {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} سؤالُ استعلامٍ بل يُعذَّبون بها بغتةً كأنَّ قارونَ لما هُدِّد بذكرِ إهلاكِ من قبله ممَّن كان أقوى منه وأغنى أكَّد ذلك بأنْ بيَّن أنَّ ذلك لم يكن مما يخصُّ أولئك المُهلَكين، بل الله تعالى مطلعٌ على ذنوبِ كافَّة المجرمين يعاقبهم عليها لا محالةَ.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9